اعرني عينيك لارى العالم اجمل
صفحة 1 من اصل 1
اعرني عينيك لارى العالم اجمل
َيُحكى أن رجلين في مرحلة متقدمة من مرض خطير، جمعتهما غرفةٌ واحدة بأحد المشافي في أطراف الريف الإنجليزيّ. أحدهما كان يرقد على سرير يجاورُ نافذةَ الغرفةِ الوحيدةَ، وفي عصر كلِّ يومٍ يُسمح له بالجلوس على السرير لساعة واحدة حتى يتم سحب السوائل المتجمعة في رئتيه. فيما الآخرُ راقدٌ على ظهره أبدا من دون حراك. فما كان بوسعه أن يرى إلا سقفَ الغرفة. كان المريضان يقطعان الوقتَ بالحديث. وفي أيام كان كلٌّ منهما قد حكى للآخر عن زوجته وعائلته ووظيفته وفترة خدمته في الجيش وحياته قبل أن يدهمه المرض. وفي أثناء ساعة الجلوس اليومية تلك، كان بوسع الرجل أن ينظر عبر النافذة المجاورة سريره ويتأمل الطبيعة الخلابة. يحكي لصاحبه الراقد عن الحديقة الفاتنة المترامية، بدرجات أخضرها التي تتماوج بين الأصفر والأخضر وما بينهما، والظلال التي تسكبها الأشجارُ والنخيل على العشب هنا وهناك في فوضى محسوبة لا يرسمها إلا الفنان الأكبر. يصف له البحيرةَ الزرقاء تتلألأ صفحتُها تحت أشعة الشمس، فتتكسر الأشعةُ في الماء مثل خيوط ذهب مرتبكة في فستان عروس. وهنالك البطُّ يسبحُ في المياه ويلعب فيتطاير الرذاذُ من ريشه مثل قطرات فضة ونُثار لؤلؤ، وفي البعيد، ثمة أطفالٌ يصخبون فيما يطلقون مراكبهم الورقية في الماء وفي السماء تحلّقُ طياراتهم وتتراقص أذيالها التي من قصاصات الورق الملون. حكى له أيضاً عن العشّاق. يجوبون المدى الأخضرَ ذراعاً بذراع وقلباً في قلب وسط أيكات الزهور التي ليس بعد جمال ألوانها جمالٌ، يتخاصرون فتبتسم الطيورُ وتربتُ السماءُ على ظهورهم. وعند خطِّ الأفق البعيد تقفُ خطوطُ المدينة شاحبةً تحت طبقات الضباب الكثيف، والغيمِ المُثقل بهدايا الرب.
منصتاً في شغفٍ، كان الراقدُ يغمضُ عينيه ليسمح لريشة صوت رفيقه أن ترسمَ على صفحة خياله تلك المشاهدَ الفاتنة. وفي ظهيرة يوم كان الجالسُ يصف مشهداً أسطورياً لموكبٍ ملكيٍّ يمرُّ عبر الحديقة في أبهةٍ تليق بملك ومليكته. ورغم أن الراقدَ لم يستطع أن يسمع نغمات الفرقة الموسيقية المصاحبة للموكب ولا وصله وقعُ خطى الأحصنة على العشب، إلا أن خياله رأى المشهد الساحر كاملاً غير منقوص بفضل وصف صديقه الطيب. وهكذا تبدلت حياةُ المريض الراقد من حياة مُسطّحةٍ جافة باردة إلى دفءٍ حيٍّ بهيٍّ غارقٍ في الألوان والموسيقى واللوحاتِ المفعمةِ جمالاً ودهشةً ووجوداً بفضل عينٍ ترى وصوتٍ يحكي ما وراء النافذة.
مرّت أيامٌ وأسابيعُ وشهورٌ. وتعلّقت حياةُ الراقد بتلك الساعة القصيرة من عصر كلِّ يوم حيث يقدر أن يعيش عبر خياله الحياةَ وينصت إلى العالم الموّار الذي يلونه له رفيق الغرفة الذي يرى. وذات صباح غائم، دخلت الممرضةُ كعادتها لتمدَّ المريضين بأدوية النهار وترفع تقريرها الطبيّ. وفيما يشرقُ وجهها بتحية الصبح، وجدت جسدَ رجل النافذة وقد فارقته الروح. طفرت دمعةٌ من عينيها أو دمعتان، قبل أن تمضي لترتيب إجراءات مواراة الجثمان الثرى.
بعد يوم سألها المريضُ الراقد إن كان بوسعه الانتقال إلى سرير النافذة بعدما رحل عنه الرفيق. رحبت الممرضةُ وتم النقل. كافحَ الرجلُ ساعاتٍ وأياماً وتحامل على أوجاعه حتى استطاع أن يتكئ على مرفقه كي ينهض قليلاً ويتطاول بعنقه وعينيه وشغفه من أجل أن يخطف نظرة من النافذة الصديقة التي مدته بالحياة شهوراً. وحينما نجح بعد جهد وإعياء نظر فلم يجد أمامه إلا جداراً مصمتاً من الحجر الأخرس، ولا شيء آخر. دُهش الرجل وحار في تفسير الأمر. ولما دخلت الممرضة سألها كيف استطاع رفيقه أن يخترق الجدارَ بعينيه ويشهد ما وراءه، ثم يصفه بكل هذه الدقة والشاعرية. فأجابته الممرضة بأن رفيقه الراحل لم يكن حتى بوسعه أن يرى الجدار. فقد كان كفيفاً.
منصتاً في شغفٍ، كان الراقدُ يغمضُ عينيه ليسمح لريشة صوت رفيقه أن ترسمَ على صفحة خياله تلك المشاهدَ الفاتنة. وفي ظهيرة يوم كان الجالسُ يصف مشهداً أسطورياً لموكبٍ ملكيٍّ يمرُّ عبر الحديقة في أبهةٍ تليق بملك ومليكته. ورغم أن الراقدَ لم يستطع أن يسمع نغمات الفرقة الموسيقية المصاحبة للموكب ولا وصله وقعُ خطى الأحصنة على العشب، إلا أن خياله رأى المشهد الساحر كاملاً غير منقوص بفضل وصف صديقه الطيب. وهكذا تبدلت حياةُ المريض الراقد من حياة مُسطّحةٍ جافة باردة إلى دفءٍ حيٍّ بهيٍّ غارقٍ في الألوان والموسيقى واللوحاتِ المفعمةِ جمالاً ودهشةً ووجوداً بفضل عينٍ ترى وصوتٍ يحكي ما وراء النافذة.
مرّت أيامٌ وأسابيعُ وشهورٌ. وتعلّقت حياةُ الراقد بتلك الساعة القصيرة من عصر كلِّ يوم حيث يقدر أن يعيش عبر خياله الحياةَ وينصت إلى العالم الموّار الذي يلونه له رفيق الغرفة الذي يرى. وذات صباح غائم، دخلت الممرضةُ كعادتها لتمدَّ المريضين بأدوية النهار وترفع تقريرها الطبيّ. وفيما يشرقُ وجهها بتحية الصبح، وجدت جسدَ رجل النافذة وقد فارقته الروح. طفرت دمعةٌ من عينيها أو دمعتان، قبل أن تمضي لترتيب إجراءات مواراة الجثمان الثرى.
بعد يوم سألها المريضُ الراقد إن كان بوسعه الانتقال إلى سرير النافذة بعدما رحل عنه الرفيق. رحبت الممرضةُ وتم النقل. كافحَ الرجلُ ساعاتٍ وأياماً وتحامل على أوجاعه حتى استطاع أن يتكئ على مرفقه كي ينهض قليلاً ويتطاول بعنقه وعينيه وشغفه من أجل أن يخطف نظرة من النافذة الصديقة التي مدته بالحياة شهوراً. وحينما نجح بعد جهد وإعياء نظر فلم يجد أمامه إلا جداراً مصمتاً من الحجر الأخرس، ولا شيء آخر. دُهش الرجل وحار في تفسير الأمر. ولما دخلت الممرضة سألها كيف استطاع رفيقه أن يخترق الجدارَ بعينيه ويشهد ما وراءه، ثم يصفه بكل هذه الدقة والشاعرية. فأجابته الممرضة بأن رفيقه الراحل لم يكن حتى بوسعه أن يرى الجدار. فقد كان كفيفاً.
برشلوني ف الدم- المساهمات : 161
تاريخ التسجيل : 18/01/2009
مواضيع مماثلة
» من اجمل قصائد الغزل العفيف
» ما اجمل الفلسفه في لحظات الوداع الاخيره... قصة جميلة مرة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
» *قصه حب جعلت العالم يبكي *
» ما اجمل الفلسفه في لحظات الوداع الاخيره... قصة جميلة مرة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
» *قصه حب جعلت العالم يبكي *
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى