حروب الـمياه في منطقة الشرق الأوسط
منتدى أحبة سيدي غزال :: العلم والتكنلوجيا :: منتدى التعليم العالي والبحث العلمي :: العلوم وعلوم الهندسة
صفحة 1 من اصل 1
حروب الـمياه في منطقة الشرق الأوسط
حصانة في الـمغرب العربي واعتماد متقلب حتى البوابة الشرقية
عمر نجيب
صحيفة العلم المغربية 10\5\2010
حروب المياه ليست مصطلحا جديدا لتفسير وضع خطر يهدد بتحول في مسار العلاقات الدولية في منطقة معينة أو عدة مناطق من الكرة الأرضية، ولكن وتيرة تكراره تصاعدت في السنوات الأخيرة مركزة على الاحتمالات القوية لوقوعه خاصة في المنطقة العربية، أو الجزء الأعظم من الشرق الأوسط الكبير، الذي يمتد من أفغانستان مرورا بالبوابة الشرقية للأمة العربية وسوريا وفلسطين وعبر مصر وشمال أفريقيا حتى سواحل المغرب على المحيط الأطلسي.
ظل الماء العذب والمالح وما زال وسوف يستمر من أهم الموارد الطبيعية على الإطلاق، ذلك أنه عصب الحياة والعمود الفقري لها فبدونه لا يمكن لكائن حي أن يعيش، ولا يمكن لأغلب الآلات أن تعمل وبشحه تتدنى كل الفعاليات الاقتصادية والأنشطة البشرية الأخرى فالماء ضروري في المعيشة اليومية من مأكل ومشرب ونظافة ناهيك عن الأمور الأخرى مثل الزراعة والصناعة وتسيير عجلة الحياة، لذلك فإن الماء هو أغلى مركب يتعامل معه الإنسان في حياته العامة والخاصة.
يقول الخبراء إن العالم سيشهد في القرن الحادي والعشرين صراعا على المياه العذبة يشبه إلى حد كبير وربما أكثر حدة من التطاحن على النفط، ويعتقدون أن أكثر من مليار نسمة في العالم قد يعانون من آثار نقص المياه خصوصا مع ازدياد حالات الجفاف وزيادة الطلب على المياه لذلك فليس من المستبعد أن تشهد كل من آسيا وأفريقيا حروبا هدفها السيطرة على مصادر المياه ينفخ فيها ويسعر لهيبها أصحاب المصالح والاحتكارات ومصاصو دماء الشعوب.
اعتماد متفاوت
اعتماد الأقطار العربية على موارد المياه الأتية من دول أخرى متفاوتة. فهناك دول كالمغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا ولبنان والسعودية واليمن وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وقطر لا تعتمد بشكل أساسي على أنهار ومصادر مياه عذبة تأتي من دول أخرى.
في المقابل هناك أقطار عربية كمصر والسودان وسوريا والعراق تعتمد بدرجات متفاوتة من حيث الأهمية على مياه تأتي من دول غير عربية، والأردن وفلسطين المحتلة تعتمد على مياه تأتي من خارج حدودهما السياسية ولكن ما يمييزها أن المنبع يبقي ضمن المنطقة العربية.
وتفيد معطيات لجنة الأمم المتحدة للمصادر الطبيعية والأنهار الدولية أنه يوجد في العالم حوالي 214 نهرا دوليا، منها 110 أنهار لها منابع كبيرة جدا يفوق صبيبها حاجيات دول المصب والممر خلال الخمسين سنة القادمة، بينما يوجد 69 نهرا دوليا في قارتي أمريكا و 48 في قارة أوروبا، و 57 في أفريقيا، و40 في قارة آسيا.
ودوليا تعرف قلة أو ندرة المياه على أنها انخفاض حصة الفرد من المياه لتصل إلى 1000 متر مكعب سنويا. أما حالة ضغط المياه فهي وصول حصة الفرد من المياه إلى ما يعادل 1500 متر مكعب سنويا. ويتوقع أن يظهر مصطلح جديد في الأعوام القادمة يسمى بـ لاجئ المياه، وهي مشكلة حقيقية، ففي البلاد الفقيرة والنامية سيضطر الملايين إلى الهجرة من مكان إلى آخر بسبب الجفاف.
الصراع على المياه في الشرق الأوسط ربما يكون سمة المستقبل ذلك أن تحقيق الأمن المائي يعتبر من أهم الأولويات في المرحلة المقبلة لذلك فإن النزاع على المياه قد يكون من العوامل المضافة إلى العوامل الموجودة المسببة لعدم استقرار المنطقة. ومن الدراسات التي أجريت حول أزمة المياه في الشرق الأوسط ما أشار إليه التقرير الذي نشره معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن عام 1989 والذي جاء فيه أن الشرق الأوسط سيشهد في غضون السنوات العشر القادمة حربا للسيطرة على مصادر المياه نظرا لزيادة عدد السكان في تلك المنطقة وزيادة برامج النمو الاقتصادي مع انحسار وتضاؤل في كميات المياه المتاحة، لذلك فإن مثل ذلك الصراع قد يؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة بين دول المنطقة. من ناحية أخرى أشار مساعد وزير الخارجية الأمريكية هارولد سوندرز في الفترة الواقعة ما بين 1974 و 1975 في تقرير أعده عن الشرق الأوسط خلال فترة عمله، إن هناك مصدرا آخر للخطر غير النفط يجب أن تقال فيه كلمة وهو ندرة المياه، وأضاف قائلا: إن قضايا المياه سوف تحظى على نحو متزايد باهتمام القيادات السياسية في المنطقة خلال السنوات المقبلة. في أعقاب ذلك انتقل هارولد سوندرز إلى العمل مع المخابرات المركزية التي حالت تنظيماتها الداخلية بينه وبين نشر معطيات خطيرة عن لعبة الصراع على المياه في المنطقة العربية.
في تلك الحقبة جاءت في تقارير هارولد سوندرز كلمات موجزة عن حاجة إسبانيا إلى موارد مياه من المغرب لسد حاجيات مدينتي سبتة ومليلية، مع إشارات غير محددة إلى قدرة الرباط على حجب جزء هام من المياه الجوفية التي تستغل لسد جاجيات مدينة مليلية من الماء العذب.
ما بعد نضوب النفط
تحدث الكاتب الأمريكي جول كولي في كتابه عن حرب المياه، حيث قال إن الشرق الأوسط بعد نضوب النفط سوف يشهد حروبا بسبب الصراع على المياه ذلك أن خطط التنمية في المنطقة سوف تعتمد على المياه فقط. كما تناول الكاتب الأمريكي توماس ستوفر نفس الموضوع في الندوة الدولية حول «إسرائيل والمياه العربية» والتي عقدت في عمان عام 1984، حيث اعتبر أن المياه العربية التي استولت عليها إسرائيل بعد حرب عام 1967 «غنائم حرب» حيث احتلت إسرائيل منابع نهر الأردن واليرموك، وبانياس، وأضاف قائلا: إن أطماع إسرائيل في المياه العربية هي جزء من مفهوم إسرائيلي متكامل لسياسة الموارد التي تشتمل أيضا على النفط والمعادن والسباق التجاري والحصول على الأيدي العاملة الرخيصة والموارد الاقتصادية الأخرى.
وتسلب إسرائيل حاليا مع نهاية سنة 2009 ما مقداره 600 مليون متر مكعب من مياه الضفة الغربية سنويا و 100 مليون متر مكعب سنويا من سوريا و 500 مليون متر مكعب من لبنان وبذلك يصبح مجموع ما تستولي عليه إسرائيل سنويا من المياه العربية بعد عام 1967 ما يقدر بـ 1200 مليون متر مكعب.
ومن المتعارف عليه ان اسرائيل تضع في أولوياتها استثمار مياهها بشكل منهجي وعلمي، وتتطلع الى الحصول على المزيد منها من انهر البلدان العربية المجاورة: النيل في مصر، واليرموك وروافد الأردن في سوريا والأردن، والليطاني وروافد الأردن في لبنان.
وتنوي اسرائيل الافادة من مياه اليرموك والمياه اللبنانية لري ما تسميه «ايهود والسامرة» وتوليد الطاقة الكهربائية على أساس تفسيرها الخاص للحقوق حسب القانون الدولي.
رغم ان نهر الليطاني هو الأنهر القليلة في الشرق الأوسط الذي ينبع ويجري ويصب في البحر ضمن أراضي دولة واحدة هي الدولة اللبنانية، ويعتبر من منظار القانون الدولي بأنه نهر لبناني مئة بالمائة.
من المفيد ان نذكر في هذا المجال ان الحروب التي قامت بها اسرائيل بعد عام 1948 رمت في جوانبها الرئيسية الى السيطرة على منابع المياه العربية، وكل المشاريع لاقامة دولة اسرائيل في ارض فلسطين تضمنت مخططات لكيفية الحصول على المياه.
ففي عام 1885 ركز تيودور هرتزل في مذكراته على ضرورة ضم جنوب لبنان وجبل الشيخ. وفي عام 1947 نصح ديفيد بن غوريون في كتابه «ارض اسرائيل» ان تشمل منابع نهر الاردن والليطاني وثلوج جبل الشيخ واليرموك. وفي عام 1955 أكد: «ان اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه. وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مستقبل اسرائيل». وأضاف في عام 1967 في رسالة الى الرئيس الفرنسي شارل ديغول: «أمنيتي في المستقبل ان يصبح الليطاني حدود إسرائيل الشمالية».
وفي عام 1983 وبعد ما يقارب مئة عام على مذكرات تيودور هرتزل وجه ديفيد كيحمي رسالة الى وزير الخارجية الأمريكية جورج شولتز يؤكد له فيها اثر توقيع اتفاقية 17 مايو: «أن انسحاب إسرائيل من لبنان مرتبط بحصولها على حصة من مياه الجنوب اللبناني». وفي عام 1985 كتب شمعون بيريز في ما اسماه بـ»الشرق الأوسط الجديد» إننا «احتجنا في الحرب إلى أسلحة، ونحتاج في السلم الى مياه».
الأزمة
في سنة 1999 جاء في تقرير لمنظمة اليونسكو لعام أن الوطن العربي سوف تجتاحه أزمة مياه حادة بعد حلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مما سوف ينعكس على الإمدادات الغذائية وينعكس سلبا على الإنتاج الصناعي وهذا يعتبره الخبراء أخطر مأزق تاريخي تواجهه الأمة العربية.
في سنة 1955 قال بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الحين ان اليهود يخوضون معركة مع العرب من أجل المياه.
خلال سنة 1992 ذكرت الوفود المشاركة في مؤتمر المياه والبيئة الذي عقد في مدينة دبلن أن الدول العربية هي الأكثر تعرضا لخطر النزاعات والصراعات حول المياه، وقال الوفد الأمريكي الذي شارك في المؤتمر ان أنهار النيل والفرات والأردن سوف تكون حلبة لصراعات دموية حقيقية في المستقبل، وذكر الوفد الأمريكي أيضا أن المياه تستخدم كأدوات وكأهداف للحرب.
في سنة 1987 كتبت صحيفة لوس أنجلس تايمز ما يلي: إن كلا من إسرائيل والعرب سيواجهان نقصا حادا في المياه قبل نهاية القرن العشرين أو بداية القرن الحادي والعشرين وسيضطر الطرفان للتعاون أو خوض غمار حرب سببها عدم الاتفاق على تقاسم المياه بالطريقة التي ترضي إسرائيل.
تحدث تقرير قامت باعداده وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أواخر عام 1993 وتم نشر أجزاء منه ووصف بأنه دراسة جدية معمقة لمشاكل المياه في العالم، عن وجود عشرة مناطق مختلفة ستشهد في المستقبل صراعات ومواجهات عسكرية محتملة حول المياه، غالبيتها تعج بأزمات ومشاكل كثيرة ويحتل فيها الوطن العربي مركز القلب. وقد قسم هذا التقرير المناطق المرشحة في الشرق الأوسط للدخول في صراع أو مواجهة محتملة بين دولها إلى ثلاثة هي:
- المجموعة الأولى: وتضم دول مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وزائير وبوروندي وتنزانيا وراوندا، وتشترك جميعها بحوض نهر النيل .
- المجموعة الثانية : وتشمل تركيا وسوريا والعراق حول نهري الفرات ودجلة .
- المجموعة الثالثة: وتضم فلسطين والأردن وسوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وهي الدول التي تشترك بأنهار الأردن واليرموك والليطاني والحاصباني والوزاني.
القوة العسكرية لإستعادة الحق
قبل ذلك وفي حدود سنة 1986 وخلال الفترة التي أصبح فيها من الواضح للخبراء العسكريين في الغرب أن العراق في الطريق إلى كسب الحرب التي بدأت مع إيران سنة 1980 كثرت التوقعات والتصورات الميدانية عما سيسفر عنه هذا الانتصار من تغيير الكثير من الموازين السياسية والعسكرية في المنطقة ومنها تعديل ما سمي بإحكام تركيا لقدرة الضغط على كل من العراق وسوريا عبر التحكم في تدفق مياه نهري دجلة والفرات.
تقرير أعده معهد الأبحاث الإستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية مع إقتراب نهاية حرب الثمانية سنوات بين بغداد وطهران، وقدم على شكل ما اسماه سيناريو حرب المياه، يشير إلى أن كلا من العراق وسوريا سوف يقومان بالهجوم على الأراضي التركية حتى منطقة قهرمان مرعش، بحيث يضطر فيها الجيش التركي إلى التقهقر والانسحاب أمام شدة القصف الجوي المركز الذي يشنه سلاح الجو العراقي، ثم تأخذ المعارك المحتدمة بين الدول الثلاثة بالاتساع شيئا فشيئا لتشمل دخول طرف أخر أكثر قوة ويتمثل بحلف شمال الأطلسي، على اعتبار أن تركيا تمثل أحد أهم أعضائه، فينجح الأخير في طرد القوات العراقية والسورية معا من المناطق التركية خلال فترة زمنية قصير أمدها 15 يوما.
ربما يمثل هذا السيناريو مدخلا لتفسير جزء من دوافع الحرب الأمريكية الصهيونية التي قادت إلى احتلال البوابة الشرقية للأمة العربية.
سيناريو أخر وضع عام 1988 من قبل المجلة الأمريكية «يو أس آند وورد ريبورت» تحدث فيه عن نشوب حرب واسعة ستندلع في نوفمبر 1993، وتعم كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط بسبب الصراع المستفحل على مصادر المياه.ويلاحظ أن هذا التقرير قد ركز على العراق وسوريا، فتخيل أن القوات العراقية المسلحة سوف تقوم بتدمير السدود السورية عبر شن هجوم كبير على وادي الفرات الواقع ضمن الأراضي السورية، فيما ترد سوريا على هذا الهجوم بقصف مركز على العاصمة بغداد بواسطة استخدام سلاح الصواريخ البعيدة المدى.
الغباء في هذا السيناريو أنه استبعد السدود التركية التي هي مركز المعضلة.
جفاف دجلة
حذرت «منظمة المياه الأوروبية» في أواخر القرن العشرين من إمكانية جفاف نهر دجلة بالكامل بسبب مشاريع تركيا وإيران التي لها دوافع سياسية واقتصادية في آن واحد.
ويبلغ طول نهر دجلة 1955 كلم منها 500 كلم داخل تركيا والباقي في العراق، وتصل طاقته الصبيبية إلى 49 مليار متر مكعب سنويا بفضل الروافد الكثيرة التي تزوده بالماء، ومنها 50 في المائة تأتي من جبال طوروس التركية و20 في المائة من روافد جبال زاغروس الواقعة داخل حدود إيران و 30 في المائة من روافد داخل العراق.
وقالت تقارير دولية في الفترة التي سبقت فرض الحصار على العراق سنة 1990 إذا لم يتمكن العراق من إتمام اتفاقات دولية تضمن حصصه المائية في شكل كامل، فإنه مقبل على ما سمي ب «كارثة حقيقية تلحق بملايين الهكتارات الزراعية في البلاد، وهو ما يعني تحول العراق إلى جزء من صحراء البادية الغربية خلال مدة لا تتجاوز خمسة وثلاثين عاما.
والمعروف أن تركيا بلد المنبع تواظب منذ زمن على إنشاء العديد من السدود على نهري الفرات ودجلة، كجزء من برنامج إروائي طويل الأمد. وتجاهلت أنقرة عند إنشاء هذه السدود جاريتها العراق وسوريا الأخرى التي تتشارك معها في مياه دجلة والفرات.
مبادلة الـماء بالسلام
سنة 1991 قام معهد الموارد العالمية وهو أحد معاهد الدراسات الأمريكية وهو يعنى بأبحاث الموارد الطبيعية في العالم برفع تقرير إلى الحكومة الأمريكية محذرا فيه بأن اهتمامها بحل الصراع القديم في الشرق الأوسط يتركز على إيجاد صيغ لم تتبدل منذ بدأت تلك الجهود وانها تتجاهل أزمة خطيرة قادمة حتما وهي أزمة المياه وما سوف تسببه من تأجج للصراع حولها. وقالت جيسيكا ماثيوز نائبة رئيس المعهد في مقال لها نشر في عدة صحف أمريكية، إنه إذا كانت مبادلة الأرض مقابل السلام تبدو صعبة بما فيه الكفاية أمام الجهود المبذولة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط فإن مبادلة المياه بالسلام سوف تكون مستحيلة وأضافت قائلة: إن أي اتفاق سلام يتم الاتفاق عليه لا يعالج مشكلة الموارد المائية سيكون اتفاقا هشا ولن يصمد أمام الحاجة إلى المياه وما يترتب على ذلك من صراع لذلك فإن اعتقادا جازما بأن المياه سوف تكون سببا في صراعات جديدة أو ذريعة لها وفي مكان آخر قالت جيسيكا نقلا عن أحد المصادر قوله «انكم تظنون أننا خضنا حربا من أجل النفط فلتنتظروا إلى أن يبدأ الصراع حول المياه».
الخبراء يقولون أن جذور المشاكل التي تنشأ بين الدول التي تشترك في استغلال نهر أو انهار تكمن في الاستخدام المشترك للأنهار الدولية والتعرض للسيادة الإقليمية المتعلقة بها، وأن هناك أربعة مبادئ يستخدمها المجتمع الدولي لحل النزاعات وهي:
• لكل دولة سيادة كاملة على مناطق منابع النهر الموجودة فيها.
• بين جميع دول الحوض يوجد دمج إقليمي كامل، والمقصود هنا أن يكون للدولة المنخفضة حقوق تاريخية لاستخدام المياه في حين أن الدولة العليا التي تنبع منها معظم مياه النهر ولم تستخدمه في الماضي، فليس لها حقوق تاريخية.
• كل دول الحوض يسمح لها باستغلال مياه الحوض.
• استقلالية الدولة تسمح لها بالاستخدام المحدود والمعقول لمياه النهر.
ويوضح الخبراء أن معظم الاتفاقات حول الأنهار الدولية في الشرق الأوسط وقعت بين الدول الشرق أوسطية وبين دولة عظمى أوروبية، أو بين دولتين عظميين أوروبيتين كانتا تسيطر على أراضي المنطقة، كالاتفاق على استخدام مياه نهر الفرات ونهر اليرموك في الأردن الذي وقع بين فرنسا وبريطانيا، ووثيقة أخرى وقعت بين مصر وبريطانيا سنة 1929، منحت بموجبها مصر حق استغلال 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل بجانب توقيع بريطانيا في نفس السنة، نيابة عن أوغندا وتنزانيا وكينيا، اتفاقا مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل.
وإذا استغلت أي دولة استغلال مياه النيل بما يضر مصر والسودان يعد ذلك إهدارا لحقوق مصر التاريخية وحقوق السودان والاتفاق الدولي أيضا ولا يمكن قانونيا لأي دولة من الدول التحكم في نهر النيل وحدها لأنه نهر دولي تحكمه قواعد القانون الدولي وكلها تؤكد على حق مصر في الحصول على حصتها المحددة من مياه نهر النيل.
كما أن نصيب مصر والسودان من المياه المتوافرة في حوض نهر النيل يساوي عشر المياه المتوافرة من الناحية الفعلية، ويتم إهدار الباقي عبر ظروف مختلفة في إثيوبيا وأوغندا وكينيا وبروندي، وكذلك فإن هناك مشاكل على الأرض وهضبة الحبشة وروافد النيل القادمة من البحيرات الجنوبية يتطلب عمل جماعي بين الدول المعنية لتنمية موارد المياه وإعادة توزيعها.
نظرية المؤامرة
خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين هيمنت على تحليلات المحللين نظرية المؤامرة خاصة في المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا وما يسمى بالهند الصينية والتي تشمل الفيتنام وكمبوديا واللاوس وتايلاند، وقد أثبتت الأحداث والتاريخ في حينها صحة النظرية. ولكن ومع عدم تمكن العرب من حسم الصراع في منطقتهم لصالحهم مثلما فعل الفيتناميون في تهافت البعض بالمنطقة العربية بدافع أو بآخر إلى تسفيه نظرية المؤامرة بإعتبارها وهما يعكس عجز العرب.
الأن مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عادت الأضواء لتفرض نفسها وتسطع جدية نظرية المؤامرة على هذه الأمة، وما يسمى بحرب المياه أحد روافدها.
منذ نهاية عقد الخمسينات من القرن العشرين سجل تعاون وتنسيق وثيق بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة، وأثيوبيا وأوغندا وتركيا وإيران تصب كلها نحو هدف واحد وهو إحكام طوق الحصار المائي على أربعة أقطار عربية تشكل بكثفاتها السكانية حوالي ثلث المكونات الإجمالية للمنطقة.
النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا
كشف كتاب أصدره مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع لجامعة تل أبيب حول «إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان» وأعده ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد موشى فرجى عما فعلته إسرائيل لكي تحقق مرادها في إضعاف مصر وتهديدها من الظهر وكيف أنها انتشرت في قلب إفريقيا في الفترة من عام 56 إلى 77 وأقامت علاقات مع 32 دولة إفريقية لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه، وكذلك لتحد من النفوذ المغاربي وخاصة للرباط في اتجاه دول غرب أفريقيا وكيف وسعت علاقاتها مع دول حوض النيل للضغط على مصر. ووفقا للكتاب، فقد احتلت إثيوبيا أهمية خاصة في النشاط الإستخباري الإسرائيلي نظرا لأنها تقود التمرد على اتفاقات المياه السابقة ولأن 86 في المائة من مياه النيل تأتي من مرتفعاتها فضلا عن الوجود العسكري الإسرائيلي المتعاظم هناك والذي له صلة بأزمات القرن الإفريقي، مشيرا إلى توافد قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عليها منذ أواخر الخمسينيات على نحو لافت للنظر رغم تبدل التوجه السياسي للنظام الأثيوبي بين اليمين واليسار.
وأضاف أن استراتيجية إسرائيل منذ أواخر الخمسينات وبداية الستينات اتجهت إلى محاولة تطويق العالم العربي والانقضاض عليه من الخلف من خلال ما أطلق عليه بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل آنذاك سياسة «شد الأطراف» التي ركزت على اختراق ثلاث من دول الجوار هي إثيوبيا وتركيا وإيران وكان الدخول إلى القارة الإفريقية والتركيز على دول حوض نهر النيل وعلى رأسها إثيوبيا للضغط على مصر جزءا من تلك الاستراتيجية.
وتحدث فرجي في هذا الصدد عن انتشار خمسة آلاف خبير إسرائيلي في دول القارة في ذلك الوقت المبكر وقد نشطوا في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية من تدريب للجيوش والشرطة إلى إقامة المزارع وتصدير الزهور.
وتابع أنه سرعان ما أغرقت إسرائيل دول المنبع بالمشاريع التنموية التي ساهمت بالخبرة والمال في تنفيذها كان من بينها المقايضة الشهيرة مع إثيوبيا التي انتهت بمشاركة إسرائيل في بناء عدد من السدود في أعالي النيل في مقابل قيام إثيوبيا بترحيل يهود الفلاشا إليها عام 1989.
واستطرد «إثيوبيا تعتبر من وجهة نظر علماء الجغرافيا نافورة مياه إفريقيا وعلى الرغم من أن معظم زراعتها تقوم على المطر أي أنها لا تحتاج بدرجة كبيرة إلى مياه النيل، إلا أن علاقتها الوطيدة بإسرائيل هي التي تدفعها دائما للتذمر حول قيمة حصتها وحصة مصر من مياه النيل، وقد أعلنت شركة تاحال المسئولة عن تطوير وتخطيط المصادر المائية في إسرائيل أنها تقوم بمشاريع مائية في إثيوبيا لحساب البنك الدولي وأنها تقوم بأعمال إنشائية في أوغادين في الطرف الآخـر من إثيوبيا على حدود الصومال. ويهدف التعاون الإسرائيلي الإثيوبي إلى تنفيذ 40 مشروعا مائيا على النيل الأزرق لتنمية الأراضي الواقعة على الحدود السودانية الإثيوبية وتشمل هذه المشاريع إنشاء 26 سدا لري 400 ألف هكتار وإنتاج 38 مليار كيلووات من الكهرباء وتستلزم هذه المشروعات 80 مليار متر مكعب من المياه.
بتر الأطراف
ذكر فرجي أن التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في التعامل مع العالم العربي ودول الجوار التي تحيط به تتبنى موقف «شد الأطراف ثم بترها» بمعني مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني ثم تشجيعها علي الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر) لإضعاف العالم العربي وتفتيته، وأوضح أن المخابرات الإسرائيلية قامت بفتح خطوط اتصال مع تلك الأقليات ومنها الأكراد في العراق والجنوبيين في السودان، مشيرا إلى أن الحركة الانفصالية في جنوب السودان كانت من البداية أداة استخدمتها إسرائيل لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى هو إضعاف مصر وتهديدها من الخلف.
وتابع « بدأت الاتصالات مع الجنوبيين من القنصلية الإسرائيلية في أديس أبابا، فى البداية ركزت إسرائيل على تقديم المساعدات الإنسانية للجنوبيين (الأدوية والمواد الغذائية والأطباء) واستثمار التباين القبلي بين الجنوبيين أنفسهم وتعميق هوة الصراع بين الجنوبيين والشماليين ثم بدأت صفقات الأسلحة الإسرائيلية تتدفق علي جنوب السودان عبر أوغندا وإثيوبيا وكينيا وقام بعض ضباط القوات الإسرائيلية الخاصة بتدريب الإنفصاليين في مناطق جنوب السودان، كما قامت إسرائيل بانشاء مدرسة لضباط المشاة لتخريج الأطر العسكرية لقيادة فصائل التمرد في جنوب السودان وأوفدت بعض خبرائها لوضع الخطط والقتال إلي جانب الانفصاليين تماما مثل مافعلته إسرائيل فى نيكارغوا وأمريكا الجنوبية فى ثمانينات القرن الماضى».
واستطرد «استخدمت إسرائيل نفوذها لاستمرار التمرد وإثارة الجنوبيين عبر تصوير صراعهم بأنه مصيري بين شمال عربي مسلم وجنوب زنجي إفريقي مسيحي وتولت إسرائيل دفع مرتبات قادة وضباط الحركة الشعبية لتحرير السودان وتقدر بعض المصادر الإسرائيلية ما قدمته إسرائيل للحركة الشعبية بحوالى 500 مليون دولار حصلت إسرائيل على القدر الأكبر منها من الولايات المتحدة وأغدقت إسرائيل على الانفصاليين المال والسلاح لتعزيز موقف الحركة التفاوضي مع حكومة الشمال حتى أصبح ندا عنيدا لها بل وأقوي منها عسكريا وفي غياب أي دعم عربي تم استنزاف الحكومة السودانية فاضطرت إلى توقيع اتفاق سلام مع الحركة في عام 2005 ينص على مرحلة انتقالية مدتها 6 سنوات يتم بعدها تحديد مصير الجنوب بالوحدة أو الانفصال عن الشمال».
وشدد فرجي على أن إسرائيل هي التي أقنعت الجنوبيين في السودان بتعطيل تنفيذ مشروع قناة «جونغلي» الذي تضمن حفر قناة في منطقة أعالي النيل لنقل المياه إلي مجري جديد بين جونغلي وملكال لتخزين 5 ملايير متر مكعب من المياه سنويا لإنعاش اقتصاد شمال السودان والاقتصاد المصري، وأقنعت إسرائيل حينها الجنوبيين بأنهم أولى بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم.
وتابع: إسرائيل ليست بعيدة أيضا عما يجرى فى إقليم دارفور، ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل السابق قال في كلمة له ألقاها خلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية في العام 2003 : حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبالآلية والوسائل نفسها التي نتدخل بها في جنوب السودان، وبالفعل نجحت إسرائيل من خلال وجودها فى جنوب السودان وفى أوغندا وكينيا فى أن تجند عناصر مهمة من سكان دارفور بدعوى أنهم ليسوا عرب وإنما ذوى أصل الإفريقى لاسيما ممن ينتمون إلى حركة العدل والمساواة، بعض قادة التمرد فى دارفور كانوا زاروا إسرائيل عدة مرات وتلقوا تدريبات على أيدى الجيش الإسرائيلى، كما أن إسرائيل أرسلت عشرات الخبراء لمساعدة هذه الميليشيات فى اكتساب مهارات القتال والتعامل بواسطة الأسلحة الإسرائيلية، كما قامت إسرائيل بتدريب عناصر من هذه الميليشيات فى معسكرات الحركة الشعبية لتحرير السودان وفي قواعدها العسكرية فى أثيوبيا بهدف مساعدة هذه الميليشيات على غرار ما حدث فى جنوب السودان سعيا من إسرائيل إلى تكرار سيناريو جنوب السودان فى إقليم دارفور بهدف تمزيق وحدة الدولة السودانية وتفتيتها إلى مجموعة من الدويلات الهشة الضعيفة المتصارعة».
وكشف أن السودان سيتم تقسيمه إلى خمسة دويلات هي : دارفور، جبال النوبة، الشرق، السودان الجديد، السودان الشمالي، موضحا أن المقصود بالسودان الجديد جنوب السودان ويهدف هذا المخطط لخدمة إسرائيل أولا وأخيرا وحرمان العرب من أن يكون السودان الغني بأراضيه الخصبة وموارد المياه «سلة الغذاء العربية» ومحاصرة واستهداف مصر بالتحكم في مصدر حياتها أي مياه النيل ودفعها لأن تضطر إلى شراء مياه النيل بعد اقرار اتفاقيات جديدة بتقنين حصص الدول المتشاطئة القديمة والدويلات الجديدة.
واختتم فرجي قائلا إن دور إسرائيل بعد «انفصال الجنوب» وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسيا وكبيرا ويكاد يكون تكوينه وتدريبه صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين وسيكون التأثير الإسرائيلي عليه ممتدا حتى الخرطوم ولن يكون قاصرا على مناطق الجنوب بل سيمتد إلى شمال السودان ليتحقق الحلم الاستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر.
وبجانب ما سبق وفي كتاب له بعنوان «الصراع علي المياه في الشرق الأوسط»، أوضح المحاضر في جامعة حيفا ارنون سوفر أن لإسرائيل مصالح استراتيجية في حوض النيل وأن توزيع المياه بين دول الحوض يؤثر مباشرة علي إسرائيل ولذلك فهي تنسق في هذا السياق مع إثيوبيا وهو المعني الذي أكده شيمون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد الذي صدر قبل أكثر من عقدين بقوله إن إسرائيل احتاجت في الحرب إلي السلاح وهي تحتاج في السلم إلى المياه.
وهناك أيضا محاضرة رسمية لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست آفي ديختر في 30 أكتوبر 2008 حول أسباب اهتمام إسرائيل بالوضع في السودان وسعيها لتنفيذ خطة للتدخل في دارفور علي غرار ما فعلته في جنوب السودان جاء فيها أن استهداف السودان ليس لذاته فقط ولكن لـ «كون السودان» يشكل عمقا استراتيجيا لمصر وهو ما تجسد بعد حرب يونيو 1967 عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا كما أرسل السودان قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر من عام 1968 حتى 1970 .
وتابع ديختر قائلا: «كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لمنع بناء دولة قوية موحدة.
عمر نجيب
صحيفة العلم المغربية 10\5\2010
حروب المياه ليست مصطلحا جديدا لتفسير وضع خطر يهدد بتحول في مسار العلاقات الدولية في منطقة معينة أو عدة مناطق من الكرة الأرضية، ولكن وتيرة تكراره تصاعدت في السنوات الأخيرة مركزة على الاحتمالات القوية لوقوعه خاصة في المنطقة العربية، أو الجزء الأعظم من الشرق الأوسط الكبير، الذي يمتد من أفغانستان مرورا بالبوابة الشرقية للأمة العربية وسوريا وفلسطين وعبر مصر وشمال أفريقيا حتى سواحل المغرب على المحيط الأطلسي.
ظل الماء العذب والمالح وما زال وسوف يستمر من أهم الموارد الطبيعية على الإطلاق، ذلك أنه عصب الحياة والعمود الفقري لها فبدونه لا يمكن لكائن حي أن يعيش، ولا يمكن لأغلب الآلات أن تعمل وبشحه تتدنى كل الفعاليات الاقتصادية والأنشطة البشرية الأخرى فالماء ضروري في المعيشة اليومية من مأكل ومشرب ونظافة ناهيك عن الأمور الأخرى مثل الزراعة والصناعة وتسيير عجلة الحياة، لذلك فإن الماء هو أغلى مركب يتعامل معه الإنسان في حياته العامة والخاصة.
يقول الخبراء إن العالم سيشهد في القرن الحادي والعشرين صراعا على المياه العذبة يشبه إلى حد كبير وربما أكثر حدة من التطاحن على النفط، ويعتقدون أن أكثر من مليار نسمة في العالم قد يعانون من آثار نقص المياه خصوصا مع ازدياد حالات الجفاف وزيادة الطلب على المياه لذلك فليس من المستبعد أن تشهد كل من آسيا وأفريقيا حروبا هدفها السيطرة على مصادر المياه ينفخ فيها ويسعر لهيبها أصحاب المصالح والاحتكارات ومصاصو دماء الشعوب.
اعتماد متفاوت
اعتماد الأقطار العربية على موارد المياه الأتية من دول أخرى متفاوتة. فهناك دول كالمغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا ولبنان والسعودية واليمن وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وقطر لا تعتمد بشكل أساسي على أنهار ومصادر مياه عذبة تأتي من دول أخرى.
في المقابل هناك أقطار عربية كمصر والسودان وسوريا والعراق تعتمد بدرجات متفاوتة من حيث الأهمية على مياه تأتي من دول غير عربية، والأردن وفلسطين المحتلة تعتمد على مياه تأتي من خارج حدودهما السياسية ولكن ما يمييزها أن المنبع يبقي ضمن المنطقة العربية.
وتفيد معطيات لجنة الأمم المتحدة للمصادر الطبيعية والأنهار الدولية أنه يوجد في العالم حوالي 214 نهرا دوليا، منها 110 أنهار لها منابع كبيرة جدا يفوق صبيبها حاجيات دول المصب والممر خلال الخمسين سنة القادمة، بينما يوجد 69 نهرا دوليا في قارتي أمريكا و 48 في قارة أوروبا، و 57 في أفريقيا، و40 في قارة آسيا.
ودوليا تعرف قلة أو ندرة المياه على أنها انخفاض حصة الفرد من المياه لتصل إلى 1000 متر مكعب سنويا. أما حالة ضغط المياه فهي وصول حصة الفرد من المياه إلى ما يعادل 1500 متر مكعب سنويا. ويتوقع أن يظهر مصطلح جديد في الأعوام القادمة يسمى بـ لاجئ المياه، وهي مشكلة حقيقية، ففي البلاد الفقيرة والنامية سيضطر الملايين إلى الهجرة من مكان إلى آخر بسبب الجفاف.
الصراع على المياه في الشرق الأوسط ربما يكون سمة المستقبل ذلك أن تحقيق الأمن المائي يعتبر من أهم الأولويات في المرحلة المقبلة لذلك فإن النزاع على المياه قد يكون من العوامل المضافة إلى العوامل الموجودة المسببة لعدم استقرار المنطقة. ومن الدراسات التي أجريت حول أزمة المياه في الشرق الأوسط ما أشار إليه التقرير الذي نشره معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن عام 1989 والذي جاء فيه أن الشرق الأوسط سيشهد في غضون السنوات العشر القادمة حربا للسيطرة على مصادر المياه نظرا لزيادة عدد السكان في تلك المنطقة وزيادة برامج النمو الاقتصادي مع انحسار وتضاؤل في كميات المياه المتاحة، لذلك فإن مثل ذلك الصراع قد يؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة بين دول المنطقة. من ناحية أخرى أشار مساعد وزير الخارجية الأمريكية هارولد سوندرز في الفترة الواقعة ما بين 1974 و 1975 في تقرير أعده عن الشرق الأوسط خلال فترة عمله، إن هناك مصدرا آخر للخطر غير النفط يجب أن تقال فيه كلمة وهو ندرة المياه، وأضاف قائلا: إن قضايا المياه سوف تحظى على نحو متزايد باهتمام القيادات السياسية في المنطقة خلال السنوات المقبلة. في أعقاب ذلك انتقل هارولد سوندرز إلى العمل مع المخابرات المركزية التي حالت تنظيماتها الداخلية بينه وبين نشر معطيات خطيرة عن لعبة الصراع على المياه في المنطقة العربية.
في تلك الحقبة جاءت في تقارير هارولد سوندرز كلمات موجزة عن حاجة إسبانيا إلى موارد مياه من المغرب لسد حاجيات مدينتي سبتة ومليلية، مع إشارات غير محددة إلى قدرة الرباط على حجب جزء هام من المياه الجوفية التي تستغل لسد جاجيات مدينة مليلية من الماء العذب.
ما بعد نضوب النفط
تحدث الكاتب الأمريكي جول كولي في كتابه عن حرب المياه، حيث قال إن الشرق الأوسط بعد نضوب النفط سوف يشهد حروبا بسبب الصراع على المياه ذلك أن خطط التنمية في المنطقة سوف تعتمد على المياه فقط. كما تناول الكاتب الأمريكي توماس ستوفر نفس الموضوع في الندوة الدولية حول «إسرائيل والمياه العربية» والتي عقدت في عمان عام 1984، حيث اعتبر أن المياه العربية التي استولت عليها إسرائيل بعد حرب عام 1967 «غنائم حرب» حيث احتلت إسرائيل منابع نهر الأردن واليرموك، وبانياس، وأضاف قائلا: إن أطماع إسرائيل في المياه العربية هي جزء من مفهوم إسرائيلي متكامل لسياسة الموارد التي تشتمل أيضا على النفط والمعادن والسباق التجاري والحصول على الأيدي العاملة الرخيصة والموارد الاقتصادية الأخرى.
وتسلب إسرائيل حاليا مع نهاية سنة 2009 ما مقداره 600 مليون متر مكعب من مياه الضفة الغربية سنويا و 100 مليون متر مكعب سنويا من سوريا و 500 مليون متر مكعب من لبنان وبذلك يصبح مجموع ما تستولي عليه إسرائيل سنويا من المياه العربية بعد عام 1967 ما يقدر بـ 1200 مليون متر مكعب.
ومن المتعارف عليه ان اسرائيل تضع في أولوياتها استثمار مياهها بشكل منهجي وعلمي، وتتطلع الى الحصول على المزيد منها من انهر البلدان العربية المجاورة: النيل في مصر، واليرموك وروافد الأردن في سوريا والأردن، والليطاني وروافد الأردن في لبنان.
وتنوي اسرائيل الافادة من مياه اليرموك والمياه اللبنانية لري ما تسميه «ايهود والسامرة» وتوليد الطاقة الكهربائية على أساس تفسيرها الخاص للحقوق حسب القانون الدولي.
رغم ان نهر الليطاني هو الأنهر القليلة في الشرق الأوسط الذي ينبع ويجري ويصب في البحر ضمن أراضي دولة واحدة هي الدولة اللبنانية، ويعتبر من منظار القانون الدولي بأنه نهر لبناني مئة بالمائة.
من المفيد ان نذكر في هذا المجال ان الحروب التي قامت بها اسرائيل بعد عام 1948 رمت في جوانبها الرئيسية الى السيطرة على منابع المياه العربية، وكل المشاريع لاقامة دولة اسرائيل في ارض فلسطين تضمنت مخططات لكيفية الحصول على المياه.
ففي عام 1885 ركز تيودور هرتزل في مذكراته على ضرورة ضم جنوب لبنان وجبل الشيخ. وفي عام 1947 نصح ديفيد بن غوريون في كتابه «ارض اسرائيل» ان تشمل منابع نهر الاردن والليطاني وثلوج جبل الشيخ واليرموك. وفي عام 1955 أكد: «ان اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه. وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مستقبل اسرائيل». وأضاف في عام 1967 في رسالة الى الرئيس الفرنسي شارل ديغول: «أمنيتي في المستقبل ان يصبح الليطاني حدود إسرائيل الشمالية».
وفي عام 1983 وبعد ما يقارب مئة عام على مذكرات تيودور هرتزل وجه ديفيد كيحمي رسالة الى وزير الخارجية الأمريكية جورج شولتز يؤكد له فيها اثر توقيع اتفاقية 17 مايو: «أن انسحاب إسرائيل من لبنان مرتبط بحصولها على حصة من مياه الجنوب اللبناني». وفي عام 1985 كتب شمعون بيريز في ما اسماه بـ»الشرق الأوسط الجديد» إننا «احتجنا في الحرب إلى أسلحة، ونحتاج في السلم الى مياه».
الأزمة
في سنة 1999 جاء في تقرير لمنظمة اليونسكو لعام أن الوطن العربي سوف تجتاحه أزمة مياه حادة بعد حلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مما سوف ينعكس على الإمدادات الغذائية وينعكس سلبا على الإنتاج الصناعي وهذا يعتبره الخبراء أخطر مأزق تاريخي تواجهه الأمة العربية.
في سنة 1955 قال بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الحين ان اليهود يخوضون معركة مع العرب من أجل المياه.
خلال سنة 1992 ذكرت الوفود المشاركة في مؤتمر المياه والبيئة الذي عقد في مدينة دبلن أن الدول العربية هي الأكثر تعرضا لخطر النزاعات والصراعات حول المياه، وقال الوفد الأمريكي الذي شارك في المؤتمر ان أنهار النيل والفرات والأردن سوف تكون حلبة لصراعات دموية حقيقية في المستقبل، وذكر الوفد الأمريكي أيضا أن المياه تستخدم كأدوات وكأهداف للحرب.
في سنة 1987 كتبت صحيفة لوس أنجلس تايمز ما يلي: إن كلا من إسرائيل والعرب سيواجهان نقصا حادا في المياه قبل نهاية القرن العشرين أو بداية القرن الحادي والعشرين وسيضطر الطرفان للتعاون أو خوض غمار حرب سببها عدم الاتفاق على تقاسم المياه بالطريقة التي ترضي إسرائيل.
تحدث تقرير قامت باعداده وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أواخر عام 1993 وتم نشر أجزاء منه ووصف بأنه دراسة جدية معمقة لمشاكل المياه في العالم، عن وجود عشرة مناطق مختلفة ستشهد في المستقبل صراعات ومواجهات عسكرية محتملة حول المياه، غالبيتها تعج بأزمات ومشاكل كثيرة ويحتل فيها الوطن العربي مركز القلب. وقد قسم هذا التقرير المناطق المرشحة في الشرق الأوسط للدخول في صراع أو مواجهة محتملة بين دولها إلى ثلاثة هي:
- المجموعة الأولى: وتضم دول مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وزائير وبوروندي وتنزانيا وراوندا، وتشترك جميعها بحوض نهر النيل .
- المجموعة الثانية : وتشمل تركيا وسوريا والعراق حول نهري الفرات ودجلة .
- المجموعة الثالثة: وتضم فلسطين والأردن وسوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وهي الدول التي تشترك بأنهار الأردن واليرموك والليطاني والحاصباني والوزاني.
القوة العسكرية لإستعادة الحق
قبل ذلك وفي حدود سنة 1986 وخلال الفترة التي أصبح فيها من الواضح للخبراء العسكريين في الغرب أن العراق في الطريق إلى كسب الحرب التي بدأت مع إيران سنة 1980 كثرت التوقعات والتصورات الميدانية عما سيسفر عنه هذا الانتصار من تغيير الكثير من الموازين السياسية والعسكرية في المنطقة ومنها تعديل ما سمي بإحكام تركيا لقدرة الضغط على كل من العراق وسوريا عبر التحكم في تدفق مياه نهري دجلة والفرات.
تقرير أعده معهد الأبحاث الإستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية مع إقتراب نهاية حرب الثمانية سنوات بين بغداد وطهران، وقدم على شكل ما اسماه سيناريو حرب المياه، يشير إلى أن كلا من العراق وسوريا سوف يقومان بالهجوم على الأراضي التركية حتى منطقة قهرمان مرعش، بحيث يضطر فيها الجيش التركي إلى التقهقر والانسحاب أمام شدة القصف الجوي المركز الذي يشنه سلاح الجو العراقي، ثم تأخذ المعارك المحتدمة بين الدول الثلاثة بالاتساع شيئا فشيئا لتشمل دخول طرف أخر أكثر قوة ويتمثل بحلف شمال الأطلسي، على اعتبار أن تركيا تمثل أحد أهم أعضائه، فينجح الأخير في طرد القوات العراقية والسورية معا من المناطق التركية خلال فترة زمنية قصير أمدها 15 يوما.
ربما يمثل هذا السيناريو مدخلا لتفسير جزء من دوافع الحرب الأمريكية الصهيونية التي قادت إلى احتلال البوابة الشرقية للأمة العربية.
سيناريو أخر وضع عام 1988 من قبل المجلة الأمريكية «يو أس آند وورد ريبورت» تحدث فيه عن نشوب حرب واسعة ستندلع في نوفمبر 1993، وتعم كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط بسبب الصراع المستفحل على مصادر المياه.ويلاحظ أن هذا التقرير قد ركز على العراق وسوريا، فتخيل أن القوات العراقية المسلحة سوف تقوم بتدمير السدود السورية عبر شن هجوم كبير على وادي الفرات الواقع ضمن الأراضي السورية، فيما ترد سوريا على هذا الهجوم بقصف مركز على العاصمة بغداد بواسطة استخدام سلاح الصواريخ البعيدة المدى.
الغباء في هذا السيناريو أنه استبعد السدود التركية التي هي مركز المعضلة.
جفاف دجلة
حذرت «منظمة المياه الأوروبية» في أواخر القرن العشرين من إمكانية جفاف نهر دجلة بالكامل بسبب مشاريع تركيا وإيران التي لها دوافع سياسية واقتصادية في آن واحد.
ويبلغ طول نهر دجلة 1955 كلم منها 500 كلم داخل تركيا والباقي في العراق، وتصل طاقته الصبيبية إلى 49 مليار متر مكعب سنويا بفضل الروافد الكثيرة التي تزوده بالماء، ومنها 50 في المائة تأتي من جبال طوروس التركية و20 في المائة من روافد جبال زاغروس الواقعة داخل حدود إيران و 30 في المائة من روافد داخل العراق.
وقالت تقارير دولية في الفترة التي سبقت فرض الحصار على العراق سنة 1990 إذا لم يتمكن العراق من إتمام اتفاقات دولية تضمن حصصه المائية في شكل كامل، فإنه مقبل على ما سمي ب «كارثة حقيقية تلحق بملايين الهكتارات الزراعية في البلاد، وهو ما يعني تحول العراق إلى جزء من صحراء البادية الغربية خلال مدة لا تتجاوز خمسة وثلاثين عاما.
والمعروف أن تركيا بلد المنبع تواظب منذ زمن على إنشاء العديد من السدود على نهري الفرات ودجلة، كجزء من برنامج إروائي طويل الأمد. وتجاهلت أنقرة عند إنشاء هذه السدود جاريتها العراق وسوريا الأخرى التي تتشارك معها في مياه دجلة والفرات.
مبادلة الـماء بالسلام
سنة 1991 قام معهد الموارد العالمية وهو أحد معاهد الدراسات الأمريكية وهو يعنى بأبحاث الموارد الطبيعية في العالم برفع تقرير إلى الحكومة الأمريكية محذرا فيه بأن اهتمامها بحل الصراع القديم في الشرق الأوسط يتركز على إيجاد صيغ لم تتبدل منذ بدأت تلك الجهود وانها تتجاهل أزمة خطيرة قادمة حتما وهي أزمة المياه وما سوف تسببه من تأجج للصراع حولها. وقالت جيسيكا ماثيوز نائبة رئيس المعهد في مقال لها نشر في عدة صحف أمريكية، إنه إذا كانت مبادلة الأرض مقابل السلام تبدو صعبة بما فيه الكفاية أمام الجهود المبذولة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط فإن مبادلة المياه بالسلام سوف تكون مستحيلة وأضافت قائلة: إن أي اتفاق سلام يتم الاتفاق عليه لا يعالج مشكلة الموارد المائية سيكون اتفاقا هشا ولن يصمد أمام الحاجة إلى المياه وما يترتب على ذلك من صراع لذلك فإن اعتقادا جازما بأن المياه سوف تكون سببا في صراعات جديدة أو ذريعة لها وفي مكان آخر قالت جيسيكا نقلا عن أحد المصادر قوله «انكم تظنون أننا خضنا حربا من أجل النفط فلتنتظروا إلى أن يبدأ الصراع حول المياه».
الخبراء يقولون أن جذور المشاكل التي تنشأ بين الدول التي تشترك في استغلال نهر أو انهار تكمن في الاستخدام المشترك للأنهار الدولية والتعرض للسيادة الإقليمية المتعلقة بها، وأن هناك أربعة مبادئ يستخدمها المجتمع الدولي لحل النزاعات وهي:
• لكل دولة سيادة كاملة على مناطق منابع النهر الموجودة فيها.
• بين جميع دول الحوض يوجد دمج إقليمي كامل، والمقصود هنا أن يكون للدولة المنخفضة حقوق تاريخية لاستخدام المياه في حين أن الدولة العليا التي تنبع منها معظم مياه النهر ولم تستخدمه في الماضي، فليس لها حقوق تاريخية.
• كل دول الحوض يسمح لها باستغلال مياه الحوض.
• استقلالية الدولة تسمح لها بالاستخدام المحدود والمعقول لمياه النهر.
ويوضح الخبراء أن معظم الاتفاقات حول الأنهار الدولية في الشرق الأوسط وقعت بين الدول الشرق أوسطية وبين دولة عظمى أوروبية، أو بين دولتين عظميين أوروبيتين كانتا تسيطر على أراضي المنطقة، كالاتفاق على استخدام مياه نهر الفرات ونهر اليرموك في الأردن الذي وقع بين فرنسا وبريطانيا، ووثيقة أخرى وقعت بين مصر وبريطانيا سنة 1929، منحت بموجبها مصر حق استغلال 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل بجانب توقيع بريطانيا في نفس السنة، نيابة عن أوغندا وتنزانيا وكينيا، اتفاقا مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل.
وإذا استغلت أي دولة استغلال مياه النيل بما يضر مصر والسودان يعد ذلك إهدارا لحقوق مصر التاريخية وحقوق السودان والاتفاق الدولي أيضا ولا يمكن قانونيا لأي دولة من الدول التحكم في نهر النيل وحدها لأنه نهر دولي تحكمه قواعد القانون الدولي وكلها تؤكد على حق مصر في الحصول على حصتها المحددة من مياه نهر النيل.
كما أن نصيب مصر والسودان من المياه المتوافرة في حوض نهر النيل يساوي عشر المياه المتوافرة من الناحية الفعلية، ويتم إهدار الباقي عبر ظروف مختلفة في إثيوبيا وأوغندا وكينيا وبروندي، وكذلك فإن هناك مشاكل على الأرض وهضبة الحبشة وروافد النيل القادمة من البحيرات الجنوبية يتطلب عمل جماعي بين الدول المعنية لتنمية موارد المياه وإعادة توزيعها.
نظرية المؤامرة
خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين هيمنت على تحليلات المحللين نظرية المؤامرة خاصة في المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا وما يسمى بالهند الصينية والتي تشمل الفيتنام وكمبوديا واللاوس وتايلاند، وقد أثبتت الأحداث والتاريخ في حينها صحة النظرية. ولكن ومع عدم تمكن العرب من حسم الصراع في منطقتهم لصالحهم مثلما فعل الفيتناميون في تهافت البعض بالمنطقة العربية بدافع أو بآخر إلى تسفيه نظرية المؤامرة بإعتبارها وهما يعكس عجز العرب.
الأن مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عادت الأضواء لتفرض نفسها وتسطع جدية نظرية المؤامرة على هذه الأمة، وما يسمى بحرب المياه أحد روافدها.
منذ نهاية عقد الخمسينات من القرن العشرين سجل تعاون وتنسيق وثيق بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة، وأثيوبيا وأوغندا وتركيا وإيران تصب كلها نحو هدف واحد وهو إحكام طوق الحصار المائي على أربعة أقطار عربية تشكل بكثفاتها السكانية حوالي ثلث المكونات الإجمالية للمنطقة.
النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا
كشف كتاب أصدره مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع لجامعة تل أبيب حول «إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان» وأعده ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد موشى فرجى عما فعلته إسرائيل لكي تحقق مرادها في إضعاف مصر وتهديدها من الظهر وكيف أنها انتشرت في قلب إفريقيا في الفترة من عام 56 إلى 77 وأقامت علاقات مع 32 دولة إفريقية لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه، وكذلك لتحد من النفوذ المغاربي وخاصة للرباط في اتجاه دول غرب أفريقيا وكيف وسعت علاقاتها مع دول حوض النيل للضغط على مصر. ووفقا للكتاب، فقد احتلت إثيوبيا أهمية خاصة في النشاط الإستخباري الإسرائيلي نظرا لأنها تقود التمرد على اتفاقات المياه السابقة ولأن 86 في المائة من مياه النيل تأتي من مرتفعاتها فضلا عن الوجود العسكري الإسرائيلي المتعاظم هناك والذي له صلة بأزمات القرن الإفريقي، مشيرا إلى توافد قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عليها منذ أواخر الخمسينيات على نحو لافت للنظر رغم تبدل التوجه السياسي للنظام الأثيوبي بين اليمين واليسار.
وأضاف أن استراتيجية إسرائيل منذ أواخر الخمسينات وبداية الستينات اتجهت إلى محاولة تطويق العالم العربي والانقضاض عليه من الخلف من خلال ما أطلق عليه بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل آنذاك سياسة «شد الأطراف» التي ركزت على اختراق ثلاث من دول الجوار هي إثيوبيا وتركيا وإيران وكان الدخول إلى القارة الإفريقية والتركيز على دول حوض نهر النيل وعلى رأسها إثيوبيا للضغط على مصر جزءا من تلك الاستراتيجية.
وتحدث فرجي في هذا الصدد عن انتشار خمسة آلاف خبير إسرائيلي في دول القارة في ذلك الوقت المبكر وقد نشطوا في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية من تدريب للجيوش والشرطة إلى إقامة المزارع وتصدير الزهور.
وتابع أنه سرعان ما أغرقت إسرائيل دول المنبع بالمشاريع التنموية التي ساهمت بالخبرة والمال في تنفيذها كان من بينها المقايضة الشهيرة مع إثيوبيا التي انتهت بمشاركة إسرائيل في بناء عدد من السدود في أعالي النيل في مقابل قيام إثيوبيا بترحيل يهود الفلاشا إليها عام 1989.
واستطرد «إثيوبيا تعتبر من وجهة نظر علماء الجغرافيا نافورة مياه إفريقيا وعلى الرغم من أن معظم زراعتها تقوم على المطر أي أنها لا تحتاج بدرجة كبيرة إلى مياه النيل، إلا أن علاقتها الوطيدة بإسرائيل هي التي تدفعها دائما للتذمر حول قيمة حصتها وحصة مصر من مياه النيل، وقد أعلنت شركة تاحال المسئولة عن تطوير وتخطيط المصادر المائية في إسرائيل أنها تقوم بمشاريع مائية في إثيوبيا لحساب البنك الدولي وأنها تقوم بأعمال إنشائية في أوغادين في الطرف الآخـر من إثيوبيا على حدود الصومال. ويهدف التعاون الإسرائيلي الإثيوبي إلى تنفيذ 40 مشروعا مائيا على النيل الأزرق لتنمية الأراضي الواقعة على الحدود السودانية الإثيوبية وتشمل هذه المشاريع إنشاء 26 سدا لري 400 ألف هكتار وإنتاج 38 مليار كيلووات من الكهرباء وتستلزم هذه المشروعات 80 مليار متر مكعب من المياه.
بتر الأطراف
ذكر فرجي أن التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في التعامل مع العالم العربي ودول الجوار التي تحيط به تتبنى موقف «شد الأطراف ثم بترها» بمعني مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني ثم تشجيعها علي الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر) لإضعاف العالم العربي وتفتيته، وأوضح أن المخابرات الإسرائيلية قامت بفتح خطوط اتصال مع تلك الأقليات ومنها الأكراد في العراق والجنوبيين في السودان، مشيرا إلى أن الحركة الانفصالية في جنوب السودان كانت من البداية أداة استخدمتها إسرائيل لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى هو إضعاف مصر وتهديدها من الخلف.
وتابع « بدأت الاتصالات مع الجنوبيين من القنصلية الإسرائيلية في أديس أبابا، فى البداية ركزت إسرائيل على تقديم المساعدات الإنسانية للجنوبيين (الأدوية والمواد الغذائية والأطباء) واستثمار التباين القبلي بين الجنوبيين أنفسهم وتعميق هوة الصراع بين الجنوبيين والشماليين ثم بدأت صفقات الأسلحة الإسرائيلية تتدفق علي جنوب السودان عبر أوغندا وإثيوبيا وكينيا وقام بعض ضباط القوات الإسرائيلية الخاصة بتدريب الإنفصاليين في مناطق جنوب السودان، كما قامت إسرائيل بانشاء مدرسة لضباط المشاة لتخريج الأطر العسكرية لقيادة فصائل التمرد في جنوب السودان وأوفدت بعض خبرائها لوضع الخطط والقتال إلي جانب الانفصاليين تماما مثل مافعلته إسرائيل فى نيكارغوا وأمريكا الجنوبية فى ثمانينات القرن الماضى».
واستطرد «استخدمت إسرائيل نفوذها لاستمرار التمرد وإثارة الجنوبيين عبر تصوير صراعهم بأنه مصيري بين شمال عربي مسلم وجنوب زنجي إفريقي مسيحي وتولت إسرائيل دفع مرتبات قادة وضباط الحركة الشعبية لتحرير السودان وتقدر بعض المصادر الإسرائيلية ما قدمته إسرائيل للحركة الشعبية بحوالى 500 مليون دولار حصلت إسرائيل على القدر الأكبر منها من الولايات المتحدة وأغدقت إسرائيل على الانفصاليين المال والسلاح لتعزيز موقف الحركة التفاوضي مع حكومة الشمال حتى أصبح ندا عنيدا لها بل وأقوي منها عسكريا وفي غياب أي دعم عربي تم استنزاف الحكومة السودانية فاضطرت إلى توقيع اتفاق سلام مع الحركة في عام 2005 ينص على مرحلة انتقالية مدتها 6 سنوات يتم بعدها تحديد مصير الجنوب بالوحدة أو الانفصال عن الشمال».
وشدد فرجي على أن إسرائيل هي التي أقنعت الجنوبيين في السودان بتعطيل تنفيذ مشروع قناة «جونغلي» الذي تضمن حفر قناة في منطقة أعالي النيل لنقل المياه إلي مجري جديد بين جونغلي وملكال لتخزين 5 ملايير متر مكعب من المياه سنويا لإنعاش اقتصاد شمال السودان والاقتصاد المصري، وأقنعت إسرائيل حينها الجنوبيين بأنهم أولى بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم.
وتابع: إسرائيل ليست بعيدة أيضا عما يجرى فى إقليم دارفور، ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل السابق قال في كلمة له ألقاها خلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية في العام 2003 : حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبالآلية والوسائل نفسها التي نتدخل بها في جنوب السودان، وبالفعل نجحت إسرائيل من خلال وجودها فى جنوب السودان وفى أوغندا وكينيا فى أن تجند عناصر مهمة من سكان دارفور بدعوى أنهم ليسوا عرب وإنما ذوى أصل الإفريقى لاسيما ممن ينتمون إلى حركة العدل والمساواة، بعض قادة التمرد فى دارفور كانوا زاروا إسرائيل عدة مرات وتلقوا تدريبات على أيدى الجيش الإسرائيلى، كما أن إسرائيل أرسلت عشرات الخبراء لمساعدة هذه الميليشيات فى اكتساب مهارات القتال والتعامل بواسطة الأسلحة الإسرائيلية، كما قامت إسرائيل بتدريب عناصر من هذه الميليشيات فى معسكرات الحركة الشعبية لتحرير السودان وفي قواعدها العسكرية فى أثيوبيا بهدف مساعدة هذه الميليشيات على غرار ما حدث فى جنوب السودان سعيا من إسرائيل إلى تكرار سيناريو جنوب السودان فى إقليم دارفور بهدف تمزيق وحدة الدولة السودانية وتفتيتها إلى مجموعة من الدويلات الهشة الضعيفة المتصارعة».
وكشف أن السودان سيتم تقسيمه إلى خمسة دويلات هي : دارفور، جبال النوبة، الشرق، السودان الجديد، السودان الشمالي، موضحا أن المقصود بالسودان الجديد جنوب السودان ويهدف هذا المخطط لخدمة إسرائيل أولا وأخيرا وحرمان العرب من أن يكون السودان الغني بأراضيه الخصبة وموارد المياه «سلة الغذاء العربية» ومحاصرة واستهداف مصر بالتحكم في مصدر حياتها أي مياه النيل ودفعها لأن تضطر إلى شراء مياه النيل بعد اقرار اتفاقيات جديدة بتقنين حصص الدول المتشاطئة القديمة والدويلات الجديدة.
واختتم فرجي قائلا إن دور إسرائيل بعد «انفصال الجنوب» وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسيا وكبيرا ويكاد يكون تكوينه وتدريبه صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين وسيكون التأثير الإسرائيلي عليه ممتدا حتى الخرطوم ولن يكون قاصرا على مناطق الجنوب بل سيمتد إلى شمال السودان ليتحقق الحلم الاستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر.
وبجانب ما سبق وفي كتاب له بعنوان «الصراع علي المياه في الشرق الأوسط»، أوضح المحاضر في جامعة حيفا ارنون سوفر أن لإسرائيل مصالح استراتيجية في حوض النيل وأن توزيع المياه بين دول الحوض يؤثر مباشرة علي إسرائيل ولذلك فهي تنسق في هذا السياق مع إثيوبيا وهو المعني الذي أكده شيمون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد الذي صدر قبل أكثر من عقدين بقوله إن إسرائيل احتاجت في الحرب إلي السلاح وهي تحتاج في السلم إلى المياه.
وهناك أيضا محاضرة رسمية لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست آفي ديختر في 30 أكتوبر 2008 حول أسباب اهتمام إسرائيل بالوضع في السودان وسعيها لتنفيذ خطة للتدخل في دارفور علي غرار ما فعلته في جنوب السودان جاء فيها أن استهداف السودان ليس لذاته فقط ولكن لـ «كون السودان» يشكل عمقا استراتيجيا لمصر وهو ما تجسد بعد حرب يونيو 1967 عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا كما أرسل السودان قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر من عام 1968 حتى 1970 .
وتابع ديختر قائلا: «كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لمنع بناء دولة قوية موحدة.
برشلوني ف الدم- المساهمات : 161
تاريخ التسجيل : 18/01/2009
منتدى أحبة سيدي غزال :: العلم والتكنلوجيا :: منتدى التعليم العالي والبحث العلمي :: العلوم وعلوم الهندسة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى